عاد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ليلمح إلى أن المملكة تمضي قدماً في التخلي تدريجياً عن نهجها الديني المستمر منذ عقود.
تحدث ابن سلمان في حواره المثير للجدل مع مجلة “الأطلنطي” الأمريكية عن مراجعة مستمرة لأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، مدعياً أن الأحاديث الصحيحة والمثبتة عن الرسول صلى الله عليه وسلم لا تتجاوز المائة حديث.
وفي المقابلة ذاتها، همش ابن سلمان دور الشيخ محمد بن عبد الوهاب الذي كان ينظر إليه على أنه شريك في تأسيس السعودية، ووصفه بأنه مجرد “صلاة فقط”، من بين الدعاة الذين عملوا مع السياسيين. عسكري في الدولة السعودية الأولى.
كما تحدث بن سلمان بوضوح عن تهميش دور هيئة كبار العلماء في اتخاذ القرارات المصيرية التي تحتاج إلى شرعية فقهية لها.
وقال إن الشريعة تنص على أن رئيس المؤسسة الإسلامية هو الحاكم وليس المفتي، مضيفاً أن وظيفة الفتاوى والعلماء هي “نصح الملك”، وأن الكلمة الأخيرة في أي أمر يعود للملك وحده.
وعلى الرغم من ذلك، أيدت الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء تصريحات ابن سلمان واحتفت بها قائلة إنها “توضح نهج المملكة الحازم في طريقها من الكتاب والسنة دون تعصب طائفي”.
اقرأ أيضا:
تمهيدا “ليوم التأسيس”
في نهاية شهر يناير الماضي، أعلنت المملكة العربية السعودية اعتماد ما يعرف بـ “يوم التأسيس”، ليكون مناسبة وطنية كل عام، موضحة أن 22 فبراير من كل عام سيشير إلى هذه الذكرى السنوية التي تعود إلى سنة 1727 م.
وقالت الحكومة السعودية إن هذا التاريخ يشير إلى قيام أول دولة سعودية على يد الإمام محمد بن سعود، في تجاهل تام للقصة التي أعقبت قبل عقود أن الدولة تأسست عام 1944 عندما تحالف ابن سعود مع الشيخ محمد بن عبد الله. وهاب.
وقال الكاتب عبد الله بن بجاد العتيبي، إن الإعلان عن “يوم التأسيس” هو بمثابة “انتصار الدولة على تاريخها، وعودة الأمور إلى طبيعتها”.
وتابع في مقال في جريدة “” “” “، أن المملكة العربية السعودية تعاني من” انحياز عاطفي لبعض المؤرخين التقليديين للدعوة أو للخطيب وليس للدولة “، مضيفا أن بعض إن كتابات المؤرخين السابقين “تعرضت لضغوط هائلة من مراكز القوة في المجتمعات التي تختلف باختلاف كل لحظة تاريخية”.
وعلق الكاتب تركي الحمد، على أن اختيار “يوم التأسيس” هو “تأكيد على حضارة الدولة في بداياتها.
وأوضح في تغريدة أن “حركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب البيوريتانية (الوهابية)، هي أيديولوجية دينية ساعدت الدولة السعودية الأولى على التوسع بلا شك، وانتهت بعد ذلك مهمتها التاريخية، تمامًا كما كان التزمت المسيحي الذي كان هو الأيديولوجيا. لبريطانيا وأمريكا في وقت تأسيسها، وانتهت، واليوم انتهت هذه الضرورة وأصبحت جزءًا من التاريخ “.
– تركي الحمد حمد (@ TurkiHAlhamad1)
يتناقض حديث ابن سلمان وعدد من الكتاب المؤيدين له مع الرواية التاريخية التي تتبناها السعودية حول دور ابن عبد الوهاب، إذ تشير كتب التاريخ المدرسية إلى أن الفضل يعود إلى الشيخ السلفي لابن سعود في إقامة الدولة.
وفي مقطع سابق له قال عضو هيئة كبار العلماء الشيخ عبد الله المانع إنه شاهد على حديث الملك خالد بن عبد العزيز قال فيه إنه طمأن إخوانه ومنهم الملك سلمان.، أنه لولا موقف ابن عبد الوهاب لبقي محمد بن سعود تحت عباءة أمير الدرعية آنذاك “ابن معمر”.
– ديوان (@ Aldiwan2030)
اقرأ أيضا:
“الإعفاء غير وارد”
استبعد المؤرخ والصحفي والكاتب البريطاني المهتم بشؤون الشرق الأوسط، أندرو هاموند، قيام ابن سلمان بإجراء مراجعات عامة يتنصل خلالها من النهج الديني الذي اتبعته المملكة منذ عقود.
وقال هاموند في تصريحات لـ “عربي 21″، إن ابن سلمان سيلتزم بالخطوط العريضة التي وضعها، وأنه “لا يوجد عالم دين كامل، والأزمنة تغيرت، وآراء ابن عبد الوهاب ليست مقدسة”.
وأضاف أن بن سلمان سينأى بنفسه عن استخدام مصطلح “الوهابية” الذي يرفضه أتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب، حيث يستخدمه خصومهم كأداة للتحريض.
ورأى هاموند أن ابن سلمان سيزيد من دعوته لحصر الفتاوى في القرآن الكريم والأحاديث الصحيحة، وتجاهل فتاوى مشايخ المذهب الوهابي، بحسب قوله.
هل يُلغى هيئة كبار العلماء؟
إن تهميش محمد بن سلمان لدور هيئة كبار العلماء وعدم التزامه بفتاوىهم دفع المغردين للتشكيك في مصير المجلس الذي طالما نظر إليه ملوك السعودية بوقار كبير.
وقال أندرو هاموند لـ “عربي 21”: “سيقول العلماء ما يريده ابن سلمان، وسيتفقون معه في جميع قراراته، وبالتالي لا داعي له للاستغناء عنها، واستبدالها برجال دين آخرين. “
رغم ذلك، لم يستبعد هاموند أن ابن سلمان سيضخ دماء جديدة من كليات الحقوق التي لم تدخل مجلس كبار العلماء من قبل.
وقال إن الملك عبد الله كان أول من أصدر هذا الأمر، حيث شهد عهده دخول شيوخ من السلفيين غير التقليديين إلى الهيئة.
في غضون ذلك، قال الباحث عبد الله الشمري لـ Arabi21، إن ابن سلمان “يحاول التخلص من إرث الدعوة الوهابية بتياراتها الثلاثة: المقاتلة (داعش)، والسرية التي تأتي في المنطقة الوسطى، والجامعة”.
وأضاف أن تجنيس السعودية لرجال دين عرب يعملون مع الوزير السابق محمد العيسى في رابطة العالم الإسلامي، والتي تتخذ مواقف مختلفة وأكثر انفتاحا على الغرب من «كبار العلماء»، «خطوة داعمة لـ». عليهم أن يتولوا مهام تحسين وجه النظام السعودي من الجانب الديني، وإظهار أنه نظام يؤمن التسامح الديني، وقبول الآخر بغض النظر عن دينهم، ومحاربة التعصب الديني “.
اقرأ أيضا:
“البحث والافتاء”
وتستمر “الرئاسة العامة للبحوث العلمية والافتاء” بالعمل على الرغم من أن العديد من فتاوىها التي تمت الموافقة عليها ونشرها على موقعها الرسمي تتعارض مع الانفتاح الحاصل في السعودية ومع تلميحات ابن سلمان لمزيد من الانفتاح في المستقبل.
ورصد “عربي 21” بعض فتاوى “الافتاء” السعودية التي لم تعد سارية المفعول لكنها ما زالت تنشر على الموقع الرسمي.
على سبيل المثال يحتفظ الموقع بفتوى بأي شكل من الأشكال، معتبرا إياها “خطيئة كبيرة”، بالإضافة إلى المنع، رغم أن المملكة العربية السعودية ومؤسساتها الرسمية لا تلتزم بأي قيود على التصوير الفوتوغرافي وصور الملك. وولي العهد معلق في الدوائر الحكومية والشوارع.
وفي محاولة لانتقاد “نهج واحد” لابن عبد الوهاب في المملكة العربية السعودية، قال ابن سلمان: “لا يمكن لأحد أن يروج لإحدى هذه الطوائف لجعلها الطريقة الوحيدة لرؤية الدين في المملكة العربية السعودية”. رغم ذلك، يحتفظ موقع “الافتاء” بفتوى تصف التصوف على الرغم من الوجود النسبي للصوفيين في منطقة الحجاز غربي المملكة.
لكن الموقع نفسه حذف فتوى قديمة تتعلق بن سلمان شخصيًا. في عام 2010، كان ولي العهد حينها مستشارًا خاصًا لأمير الرياض (والده الملك سلمان)، وأرسل سؤالاً إلى لجنة الفتوى حول حكم دمج الذكور والإناث في الصفوف الابتدائية بالمدارس، واللجنة. برئاسة المفتي عبد العزيز آل الشيخ، أن هذا لا يجوز.
بعد توليه منصب ولي العهد، حذف موقع “البحث العلمي والإفتاء” سؤال ابن سلمان نهائياً، لكنه احتفظ بالفتاوى الأخيرة التي لم تعد المملكة تعمل معها.
– د.سلطان العرابي (sultanalorabi)